الكاتبة: شهد عبد الرحمن

في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة العربية السعودية ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الطلاق، مما أثار قلق المجتمع ولفت انتباه الباحثين وصناع القرار، هذه الظاهرة التي كانت تعتبر من المحرمات الاجتماعية في الماضي، أصبحت اليوم واقعًا يتطلب تسليط الضوء عليه وفهم أبعاده، في هذا التحقيق نتقصى من خلال الخبراء والمختصين والمسئولين وضحايا ظاهرة الطلاق عن العوامل التي تساهم في تفشي هذه الظاهرة؟ وما التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لها؟ وما طبيعة تأثيرها على الأطفال؟ وهل نسب وقوع الطلاق في المملكة تؤكد أنها أصبحت ظاهرة خطيرة؟ وما دور الحكومة والمؤسسات الدينية والاجتماعية في حل هذه الظاهرة؟، ونصل في هذا التحقيق إلى استكشاف الحلول الممكنة والتوجهات المستقبلية التي يمكن أن تساهم في معالجة هذه القضية المجتمعية الملحة، آملين أن يسهم هذا التحقيق في تعزيز الوعي وتقديم الدعم اللازم للأسر المتأثرة.

أسباب متعددة

تعد ظاهرة الطلاق من القضايا الاجتماعية التي تستحق الدراسة والتأمل، ولعل هذا ما يدفع بالمهتمين والباحثين في القضايا الاجتماعية للبحث في الأسباب المؤدية والنفسية لحدوثها، تقول المتخصصة في علم النفس سارة الرشيدي من الأسباب الشائعة للطلاق هو عدم التوافق بين الزوجين في القيم والأهداف، فقد يدخل الأزواج في العلاقة دون فهم كامل لاحتياجاتهم وتوقعاتهم، مما يؤدي إلى شعورهم بعدم الرضا، ومع زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وتحقيقها لمستوى تعليمي أعلى، بدأت بعض النساء في إعادة تقييم أدوارهن التقليدية في الأسرة، وهذا التغيير قد يؤدي إلى صراعات بين الزوجين حول تقاسم المسؤوليات. مشيرة إلى أن التواصل الفعال يعتبر أحد الأسس الأساسية لبناء علاقة زوجية ناجحة، لكن في بعض الحالات، يعاني الأزواج من نقص في الحوار والتفاهم، مما يؤدي إلى تراكم المشكلات وعدم القدرة على حلها بطرق سليمة، ويتجلى غياب الفهم والحوار والمعرفة المسبقة بطبيعة الحياة الزوجية، في كونه سبب رئيسي لحالات الطلاق التي ارتفعت في المملكة في السنوات الأولى للزواج. مؤكدة أن من أسباب هذه الظاهرة، هو أنه مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المملكة، بدأ يظهر جيل جديد يحمل قيمًا ومعتقدات تختلف عن الأجيال السابقة، فالشباب اليوم يميلون إلى البحث عن الاستقلالية والحرية في اتخاذ القرارات، مما قد يؤدي إلى تصادم في التوقعات بين الزوجين.

خطر اجتماعي ونفسي

تتنوع التأثيرات التي تحملها ظاهرة الطلاق بالمملكة بين الجوانب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، يقول الباحث في القضايا الاجتماعية في السعودية مصطفى المحمود يؤدي الطلاق إلى تفكك الأسرة، ومع ارتفاع معدلات الطلاق، تتغير هياكل الأسرة التقليدية، فقد تظهر أسر جديدة كالأسر الوحيدة أو الأسر المختلطة، مما يتطلب تكيفًا اجتماعيًا جديدًا، ومع تزايد حالات الطلاق، تتغير المفاهيم التقليدية حول الزواج والأسرة، فقد يصبح الطلاق أكثر تقبلًا اجتماعيًا، مما يؤدي إلى إعادة تقييم القيم المرتبطة بالعلاقات الزوجية

بدورها المتخصصة في علم النفس سارة الرشيدي أكدت أن العديد من الأشخاص الذين يمرون بتجربة الطلاق يعانون من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق، والشعور بالفشل أو الوحدة يمكن أن يكون له آثار سلبية على الحالة النفسية، فقد يواجه الأفراد صعوبات في تحديد هويتهم بعد الطلاق، حيث يشعر البعض بفقدان دورهم كزوجين، مما قد يؤثر على تقديرهم لذاتهم.

وما يؤكد ما قالته الرشيدي قصة سلمان الحارثي شاب في العشرينات من عمره، عاش تجربة الطلاق بعد زواج استمر لمدة عامين، كان يعتبر الزواج فرصة لبداية جديدة، ولكنه اكتشف أن التوافق بينه وبين زوجته كان محدودًا، وبعد الطلاق، شعر سلمان بالوحدة والضياع، وقد واجه تحديات في التكيف مع حياة العزوبية، وكان يشعر بالضغط من المجتمع الذي ينظر إلى الطلاق نظرة سلبية.

مشاكل مالية

بدوره يؤكد الخبير في مجال الاقتصاد نشوان الشهراني إلى أنه بعد الطلاق قد يواجه المطلقون ضغوطًا مالية كبيرة نتيجة لتكاليف الطلاق وتربية الأطفال، وفي بعض الأحيان، يتطلب الأمر من الأفراد العمل في وظيفتين أو أكثر لتغطية النفقات، ونتيجة للضغوط المالية، قد يضطر الأفراد إلى تغيير نمط حياتهم، مما يؤثر على مستوى المعيشة وأسلوب الحياة بشكل عام.

تضرر الأطفال

يجمع المهتمون بمعرفة مخاطر الطلاق، أن أكثر هذه المخاطر تقع على الأطفال، تقول الدكتورة هالة السعيد عضو جمعية الأسرة السعودية، يواجه الأطفال الذين يشهدون عملية الطلاق شعورًا عميقًا بالفقدان، فقد يشعرون بأن أسرهم قد تفككت، مما يؤدي إلى مشاعر القلق وعدم الأمان، وهذه المشاعر قد تتطور إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق المستمر، مما يؤثر على جودة حياتهم.

ونتيجة الطلاق يمكن أن يظهر الأطفال تغييرات سلوكية، مثل الانسحاب الاجتماعي أو التمرد، فبعض الأطفال قد يتجهون إلى التصرفات العدوانية أو الانطواء، مما يعكس عدم قدرتهم على التعامل مع مشاعرهم.

وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من الطلاق غالبًا ما يسجلون أداءً أكاديميًا أقل، فقد تؤثر الضغوط النفسية والاجتماعية عليهم، مما يجعلهم أقل تركيزًا في المدرسة، والأطفال الذين يعيشون تجربة الطلاق قد يحملون نظرة سلبية تجاه العلاقات الزوجية في المستقبل، فقد يفضلون تجنب الزواج أو الدخول في علاقات عاطفية، خوفًا من تكرار تجربة الطلاق.

إحدى الأطفال المتضررات اللاتي التقينهن في هذا التحقيق، نورة العوفي فتاة في الثانية عشرة من عمرها، تأثرت بشكل كبير بطلاق والديها، وعانت من صدمة نفسية وفقدان الاستقرار، مما أثر على تحصيلها الدراسي وعلاقاتها الاجتماعية، وفي البداية كانت تشعر بالخجل من سرد قصتها، لكن مع مرور الوقت، قررت مشاركة تجربتها في مجموعة اجتماعية، وهذه الخطوة ساعدتها في إدراك أنها ليست وحدها، وأن الكثير من الفتيات يواجهن تحديات مشابهة.

حجم الطلاق وأنواعه

بحسب المحامية رولاء الجهني فإن الطلاق ينقسم من حيث الصيغة إلى نوعين:

• طلاق صريح، وهو النوع الذي يكون الطلاق فيه واضحا وصريحا، كأن يقول الزوج لزوجته أنتي طلاق.

• والنوع الثاني هو النوع الذي يستخدم فيه الزوج ألفاظًا تدل في مضمونها على الطلاق، ويكون في حال وجود نية للطلاق كأن يقول الزوج: “اذهبي لبيت أهلك حالًا ولا تعودي”، أو “إذا عملتي كذا فلن تدخلي بيتي مرة أخرى”.

وتكشف إحصائيات عربية أن المملكة العربية السعودية تأتي في المرتبة الثالثة لمعدل وقوع حالات الطلاق، وذلك بين قائمة الدول العربية، تتقدمها كل من دولة ليبيا ثم مصر.

وبحسب الهيئة العامة للإحصاء، يحدث الطلاق في السعودية بمعدل 168 حالة طلاق يوميًا، بمعنى أكثر من حالة طلاق في كل عشر دقائق، وبمعدل 7 حالات طلاق في كل ساعة. وأكدت الهيئة أن إجمالي حالات الطلاق للعام 2023م بلغت نحو 350 ألف حالة.

كما كشفت الإحصائيات المحلية في المملكة عن ارتفاع حالات الطلاق سنويًا في السعودية، حيث ارتفعت من 34600 حالة طلاق في عام 2011، لتصل إلى 57595 حالة في عام 2020.

مهام الحكومة

وأما تنامي مخاطر ظاهرة الطلاق بالمملكة، لابد أن يكون للحكومة السعودية دور في معالجة آثارها، تؤكد نجلاء العتيبي موظفة في وزارة الشؤون الاجتماعية أن الجهات الرسمية مثل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تعمل على تطوير السياسات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الأسرية، وتنظم الوزارة حملات توعوية تهدف إلى نشر الوعي حول أهمية العلاقات الزوجية السليمة وطرق التعامل مع المشكلات الزوجية، تشمل هذه الحملات ورش عمل ودورات تدريبية للأزواج والمقبلين على الزواج، وتم إنشاء مراكز خاصة لتقديم الاستشارات الأسرية والنفسية، حيث يمكن للأزواج الحصول على الدعم والمشورة من مختصين، وهذه المراكز تلعب دورًا في معالجة القضايا قبل أن تتفاقم وتؤدي إلى الطلاق.

التوعية الدينية

تلعب المؤسسات الدينية في السعودية، مثل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، دورًا مهمًا في الحد من هذه الظاهرة.

يشير محمد المالكي موظف بفرع الوزارة بالمدينة المنورة إلى أن الوزارة تهتم بهذا الجانب، من خلال تناول موضوع الزواج والأسرة في الخطب والدروس الدينية، حيث يتم توضيح أهمية الحفاظ على الروابط الأسرية وكيفية معالجة الخلافات وفقًا للقيم الإسلامية، وتوفر بعض المؤسسات الدينية برامج إرشادية للزوجين، حيث يتم تقديم النصائح حول كيفية تحسين التواصل وحل النزاعات، وهذا النوع من الإرشاد يعزز من قدرة الأزواج على التفاهم.

منظمات فاعلة

يوجد في المملكة مئات المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية التي تساهم في مساعدة الأسر، ومعالجة ظاهرة الطلاق.

توضح الدكتورة هالة السعيد عضو جمعية الأسرة السعودية أن هذه المنظمات الاجتماعية تقدم برامج دعم للأزواج المتزوجين حديثًا، تتضمن ورش عمل لتعليم مهارات التواصل وحل المشكلات، وتشارك هذه المنظمات في تنظيم فعاليات مجتمعية تهدف إلى تعزيز العلاقات الأسرية وتبادل التجارب الإيجابية بين الأزواج.

وأطلقت بعض المنظمات حملات توعوية، مثل الحملات التوعوية حول حقوق الزوجين وواجباتهما، والتي تهدف إلى تعزيز الفهم حول أهمية الاستقرار الأسري.

اقتراحات هامة

مع أن ظاهرة الطلاق قضية اجتماعية معقدة، إلا أن البعض يقترح حلولًا شاملة وفعالة للحد منها في المملكة العربية السعودية.

تقترح المحامية رولاء الجهني تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تستهدف المقبلين على الزواج، لتعليمهم مهارات التواصل وحل النزاعات، مما يساعدهم على فهم احتياجات بعضهم البعض وتجاوز التحديات، ويجب استخدام المنابر الدينية والفعاليات الاجتماعية لتثقيف المجتمع حول أهمية الاستقرار الأسري وضرورة معالجة المشكلات الزوجية وفقًا للقيم الإسلامية.

ويجب إنشاء مبادرات تطوعية تهدف إلى مساعدة الأسر المحتاجة، مما يعزز من الروابط الاجتماعية ويقلل من الضغوط النفسية والاقتصادية.

في ختامنا لهذا التحقيق، يبدو أن هذه الظاهرة ليست مجرد أرقام، بل هي قصة إنسانية تتشابك فيها مشاعر الفقد والألم والصراع. لقد تناولنا في التحقيق العوامل المساهمة في الطلاق، واستعرضنا التأثيرات المختلفة لهذه الظاهرة التي تطال الأفراد والمجتمع، وبالذات فئة الأطفال، وأبرزنا دور الجهات الرسمية والمؤسسات الدينية والمنظمات الاجتماعية في الحد من نسبة الطلاق.

وما نستطيع تأكيده هو أن العناية بالعلاقات الأسرية والعمل على تعزيزها ليس مجرد خيار، بل هو واجب مجتمعي يتطلب التزامًا جماعيًا من مختلف الأطراف، لبناء مستقبل أكثر استقرارًا للأجيال القادمة.