الكاتبة: شروق الجهني.
في السنوات الأخيرة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا من حياة كل فرد في المجتمع، لدرجة أنها لم تعد مجرد وسيلة للترفيه أو التواصل، بل تحولت إلى ساحة تتجاوز الحدود الجغرافية، وتعبر عن أفكار وتوجهات، وتؤثر على السلوكيات والمواقف بشكل غير مسبوق إن التأثير الذي تمارسه هذه المواقع، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، بات ملموسًا في تفاصيل حياتنا اليومية، وكأننا نعيش في عالم افتراضي يشكل واقعنا الحقيقي.
على الجانب الإيجابي، تمكنت مواقع التواصل الاجتماعي من تقريب الناس بشكل لم يكن ممكنًا في السابق بفضلها، أصبح من السهل على الأفراد أن يلتقوا ويتواصلوا ويتبادلوا الأفكار مع آخرين من مختلف أنحاء العالم وبهذا، فإنها قد أسهمت في تعزيز ثقافة التعايش وتوسيع أفق الأفراد، خاصةً الشباب، ليكونوا أكثر تقبلًا للآخرين وأكثر وعيًا بتنوع الثقافات كما أن هذه المواقع قد فتحت المجال لكثيرين لتطوير أنفسهم، سواء من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين، أو بناء شبكة علاقات اجتماعية ومهنية قوية تتيح فرصًا للتعلم والعمل والتطور ولطالما كانت منصات التواصل منبرًا قويًا لنقل الصوت الجماعي؛ فأي قضية مجتمعية يمكن أن تجد صدى واسعًا، وأي حدث مهم يُتداول خلال لحظات، مما يمنح الأفراد شعورًا بالمشاركة والمسؤولية.
لكن دعونا نتأمل في الجانب الآخر، الذي لا يقل أهمية بقدر ما تتيح مواقع التواصل الاجتماعي من فرص، فإنها قد تكون سيفًا ذا حدين يحمل في طياته الكثير من المخاطر اليوم، بات كثير من الأشخاص يعيشون حالة من المقارنة المستمرة؛ فكل ما يرونه على هذه المواقع غالبًا هو نمط حياة مثالي وصور مُحسنة وأحداث مثيرة للإعجاب، بينما يعيشون واقعهم اليومي بتفاصيله العادية هذه المقارنة تُحدث تأثيرًا نفسيًا سلبيًا، حيث يشعر البعض بأن حياتهم غير مكتملة، أو أنهم ليسوا “بالجمال” أو “بالنجاح” الذي يراه على حسابات الآخرين لقد أصبح هذا الأمر مشكلة حقيقية تؤثر على تقدير الذات، خاصةً لدى الشباب والمراهقين الذين يبحثون عن هوية واعتراف اجتماعي.
وعلى صعيد آخر، أرى أن ثقافة النقاش قد تأثرت بشكل سلبي؛ إذ باتت الآراء تُطرح بعفوية أحيانًا وبتطرف أحيانًا أخرى، مما يؤدي إلى خلق جو من الخلافات الحادة دون أساس منطقي أصبحت التقييمات سريعة، والنقد جارحًا، والاحترام في الحوار غائبًا إلى حد كبير كل شخص يشعر أنه يمتلك منصة تعطيه الحق في إصدار الأحكام وإبداء الآراء دون أي التزام بالمسؤولية أو التفكير في تأثير كلماته على الآخرين وفي هذا، أرى أن هذه المنصات لم تدعم فقط حرية التعبير، بل أسهمت أيضًا في انتشار خطاب الكراهية والتجريح والمواقف المتطرفة، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على نسيج المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، تُعد الشائعات والمعلومات المغلوطة تحديًا رئيسيًا في هذا العالم الرقمي فاليوم، يمكن لأي شخص نشر أي خبر أو رأي، ويتم تداوله في غضون دقائق ليصل إلى آلاف الأشخاص وربما ملايين، دون التأكد من مصداقيته إن هذا الانتشار السريع للأخبار غير المؤكدة يشكل تهديدًا، ليس فقط للأفراد بل أيضًا للمجتمع ككل، حيث يُحدث الفوضى ويُثير القلق ويقلل من ثقة الناس في مصادر المعلومات.
وجهة نظري أن مواقع التواصل الاجتماعي، رغم فوائدها، قد تجاوزت دورها كوسيلة تواصل إلى أداة تحمل معها تحديات جديدة، علينا أن نواجهها بوعي وحذر يجب أن ندرك أن ما نراه ليس بالضرورة الواقع، وأن نحترم خصوصية حياتنا بعيدًا عن المقارنات المستمرة يجب أن نستفيد من هذه المنصات ونوظفها في التعلم والتطور، لا في التباهي أو التنمر كما علينا أن نحرص على التأكد من صحة المعلومات قبل نشرها وتداولها، ونبني ثقافة حوار تقوم على احترام الآخر
إن مواقع التواصل الاجتماعي لن تختفي؛ بل ستستمر في التطور وسيزداد تأثيرها بلا شك لذا، فإن قدرتنا على الاستفادة منها بشكل إيجابي تعتمد على الوعي الشخصي والمجتمعي، وعلى إدراكنا لحدود ما يمكن أن تقدمه هذه المنصات في إطار لا يؤذي المجتمع، بل يعزز من تماسكه وتقدمه.