الكاتبة : منال
لم يكن الإنسان العادي ليتخيل قبل عقود قليلة مدى التطور الذي ستصل إليه الصحافة بفضل التكنولوجيا الحديثة، إذ أعادت التقنيات الرقمية ترتيب المشهد الإعلامي ودعت الباحثين والمختصين إلى مراجعة الاستراتيجيات الإعلامية التقليدية لتتوافق مع معطيات العصر الجديد، ومع ظهور الصحافة الإلكترونية، لم تعد الصحافة حبيسة الورق، بل أصبحت متعددة الأبعاد، تجمع بين الكتابة المطبوعة والمحتوى المرئي والوسائط التفاعلية، مما جعلها أكثر شمولية وسرعة وتأثيرًا.
لقد كان للتطورات الكبيرة في وسائل الاتصال الحديثة أثر بالغ في تطور الإعلام، حيث استفادت الصحف، خاصة في المجتمعات المتقدمة، من النظم الإلكترونية الحديثة مثل إرسال النصوص المرئية عبر منظومات تجمع بين شاشات التلفاز وأجهزة الكمبيوتر والهواتف والأقمار الصناعية.، ولم يقتصر هذا التطور على الوسائل فقط، بل مكّن الصحفي من تغطية الحدث لحظة وقوعه وإرساله فورًا إلى المؤسسة الإعلامية، كما أتاح له الوصول إلى بنوك المعلومات الإلكترونية للحصول على البيانات اللازمة لتعزيز دقة التغطية الصحفية، وهكذا، أصبح بإمكان الصحفي أن ينقل الأخبار بسرعة غير مسبوقة، متجاوزًا بذلك القيود الزمنية التي كانت تفرضها الصحافة التقليدية.
وعلى الرغم من أن الصحافة المطبوعة تُعدّ من أقدم وسائل الإعلام، إلا أنها كانت دائمًا تعاني من تأخر نقل الأخبار مقارنة بالإذاعة والتلفزيون، لكن مع الثورة التكنولوجية وانتشار الإنترنت والهواتف الذكية، تمكنت الصحافة من إيصال الأخبار لحظة حدوثها عبر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، مما منح الجمهور فرصة متابعة الأحداث بشكل مباشر، وبالإضافة إلى ذلك، لم تعد الصحافة مجرد ناقل للأخبار، بل أصبحت أكثر تفاعلًا مع جمهورها، حيث أتاحت الوسائط الرقمية إمكانية التعليق، وإجراء الاستبيانات، والتفاعل المباشر، مما عزز دورها كوسيلة إعلامية أكثر انفتاحًا وديناميكية.
ولأن الصحافة كانت دائمًا انعكاسًا للمجتمع، فقد ساهم التطور التكنولوجي في تعزيز هذا الدور، إذ أصبحت تلبي احتياجات الأفراد الاتصالية وتعكس واقعهم الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، والثقافي، وبفضل هذه التحولات، تحولت الصحافة إلى منبر ديمقراطي يتيح للمرشحين والناخبين التعبير عن آرائهم دون الحاجة إلى لقاء مباشر، كما ساعدت على نشر الأفكار، وتصريف السلع، وإيجاد فرص العمل، مما جعلها عنصرًا أساسيًا في الحياة العامة.
وهكذا، لم تكن التكنولوجيا مجرد أداة مساعدة في تطوير الصحافة، بل أعادت تشكيلها بالكامل، مما جعلها أكثر سرعة ودقة وتفاعلًا مع الجمهور، ومع استمرار التقدم التقني، ستظل الصحافة مطالبة بمواكبة هذه التحولات والاستفادة منها، ليس فقط لضمان بقائها، بل أيضًا لتعزيز تأثيرها وانتشارها، مما يجعل مستقبلها مرتبطًا بقدرتها على التجدد والتكيف مع متغيرات العصر.