الكاتبة : شهد عبدالرحمن
لطالما كانت المدينة المنورة وجهةً روحانيةً يقصدها المسلمون من كل بقاع الأرض، لكنها اليوم تدخل مرحلة جديدة من التحول، حيث تم تصنيفها ضمن أفضل 100 وجهة سياحية عالمية لعام 2024. فهذا التصنيف يعكس التحول الذي تشهده المملكة في إعادة تعريف مفهوم السياحة. ولكن، هل يمكن للمدينة المنورة أن تحقق التوازن بين قُدسيتها الدينية وطموحاتها السياحية؟
ولو أخذنا نظرةً سريعةً إلى الأرقام، لأدركنا حجم التحول الذي تعيشه المدينة؛ فبين عامي 2014 و2023 قفز عدد الزوار من 6 ملايين إلى أكثر من 14 مليونًا، ما يعكس نجاح مشاريع التطوير في استيعاب هذا التدفق الهائل. فهذا النمو لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجةً لجهودٍ مكثفة في تحسين البنية التحتية وتطوير المشاريع التي تهدف إلى إثراء تجربة الزائر.
ولكن، بالرغم من هذا النجاح، يبقى السؤال مطروحًا: هل هؤلاء الزوار هم سياح بالمعنى العالمي، أم أنهم لا يزالون ضمن الإطار التقليدي للحجاج والمعتمرين؟ السياحة الدينية كانت وستظل محور المدينة، ولكن هل يمكن أن تصبح المدينة المنورة وجهةً عالميةً تتجاوز هذه الفئة؟
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إنكار أن المدينة المنورة تمتلك مقوماتٍ سياحيةً تاريخيةً وثقافيةً غنية، فوجود أكثر من 400 موقعٍ تاريخيٍّ وإسلاميٍّ يمكن أن يشكل نقطة جذبٍ قوية لأي زائر. ولكن، هل تم استغلال هذه المواقع بما يكفي لتقديم تجربةٍ سياحيةٍ متكاملة؟
في المقابل، يشهد قطاع الضيافة والتطوير العمراني في المدينة نهضةً غير مسبوقة، من زيادة عدد الفنادق إلى مشاريع عملاقة مثل “رُؤى المدينة”، التي تهدف إلى تحسين تجربة الزائر. لكنها تظل جهودًا تركز على السياحة الدينية بشكلٍ أساسي، بينما لا تزال الحاجة قائمةً لتقديم تجربةٍ أكثر تنوعًا.
لذا، ما زالت المدينة بين الهوية والتجديد، وباتت أمام مفترق طرقٍ حقيقي: فإما أن تبقى محصورةً في إطار السياحة الدينية التقليدية، أو أن تنجح في إيجاد نموذجٍ سياحيٍّ متكامل يستقطب زوّارًا من مختلف الثقافات والخلفيات. فالتحدي الحقيقي يكمن في تحقيق معادلةٍ صعبة.. الحفاظ على روحانية المكان، وفي الوقت ذاته، تقديم تجربةٍ سياحيةٍ حديثة تتماشى مع المعايير العالمية.