الكاتبة – طيف السحيمي
بين الطموح والمخاوف: واقع يتغير بسرعة
في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي حديث الساعة في مختلف المجالات، وعلى رأسها قطاع الإعلام. تقنيات الكتابة التلقائية، تحليل البيانات، المونتاج الذكي، وتقديم الأخبار عبر روبوتات رقمية، كلها بدأت تحلّ محل بعض المهام التقليدية التي كان يقوم بها الصحفي البشري. هذا التحول أثار تساؤلات عديدة لدى المختصين والمهتمين، لا سيما في ظل تصاعد اعتماد المؤسسات الإعلامية على أنظمة الذكاء الاصطناعي.
أدوات ذكية تغيّر طريقة العمل الصحفي
في عدد من المؤسسات الإعلامية، أصبح استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي أمرًا شائعًا، مثل برامج الكتابة التنبؤية، وتوليد العناوين الجاذبة، وتحليل اتجاهات الجمهور على المنصات الرقمية. هذه الأدوات ساهمت في تسريع إنتاج المحتوى وتحسين دقته، مما جعلها عنصرًا أساسيًا في غرف الأخبار الحديثة. يقول الدكتور عبدالإله الغامدي، أستاذ الإعلام الرقمي: “الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الصحفي، بل هو أداة قوية لتسريع العمل وتطويره، خاصة إذا تم استخدامه بحكمة ووعي.”
فرص جديدة… ولكن ليست للجميع
تشير تقارير تقنية إلى أن بعض المهارات الصحفية التقليدية أصبحت أقل طلبًا، خاصة في غرف الأخبار الرقمية، حيث يتم الاعتماد على أنظمة تحرير مؤتمتة. منى الزهراني، صحفية شابة، تعلّق بقلق: “نخشى أن تتحوّل الصحافة إلى صناعة رقمية بحتة، دون لمسة إنسانية. نحن لا ننافس زملاءنا فقط، بل ننافس التقنية ذاتها.” وتتزايد هذه المخاوف لدى الشباب المقبلين على العمل في ظل تغيّر شروط التوظيف وارتفاع متطلبات الكفاءة التقنية.
تجارب حقيقية من مؤسسات عربية
أظهرت دراسة أجراها “المرصد العربي للإعلام الرقمي” أن 34% من المؤسسات الإعلامية في المنطقة بدأت بتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار والتقارير المصورة. بعض القنوات تستخدم روبوتات صوتية لتقديم نشراتها، بينما تعتمد منصات إلكترونية على برامج تحرير تلقائي. ويُتوقع أن تتضاعف هذه النسبة خلال السنوات القادمة مع ازدياد التنافس الرقمي والحاجة إلى تقليل التكاليف التشغيلية.
الجانب الإيجابي: الجودة والسرعة والتوسع
يرى الإعلامي فيصل الدخيل، المتخصص في التقنية، أن الذكاء الاصطناعي يُعتبر فرصة ذهبية للصحفي الذكي: “هو أداة تعزز قدرات الصحفي، وتمنحه وقتًا أكبر للبحث والتحقيق، بدلاً من تضييع وقته في أعمال روتينية. المهم أن يتعلم الصحفي كيف يستثمر هذه الأدوات.” كذلك، تساعد هذه التقنية في الوصول إلى جمهور أوسع من خلال تحليل سلوك المتابعين وتقديم محتوى يتناسب مع اهتماماتهم بدقة.
هل يُهدد الإبداع الصحفي؟
رغم كل التسهيلات، يظل الإبداع هو جوهر العمل الصحفي، وهو ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاته بالكامل. الكتابة بأسلوب إنساني، التفاعل مع الناس، الإحساس بالقضايا، والقدرة على صناعة قصص من الواقع… كل هذه أمور لا تزال بحاجة إلى عقل وروح بشرية. ولذلك، يظل الإبداع والقدرة على التأثير مهارتين لا يمكن الاستغناء عنهما في العمل الصحفي مهما تطورت التكنولوجيا.
من يملك المستقبل؟
الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، لكنه ليس حياديًا أيضًا. يعتمد تأثيره على طريقة استخدامه، وعلى استعداد الصحفيين للتطور والتعلم المستمر. وفي عالم يتغير كل يوم، فإن من يرفض التعلم قد يجد نفسه خارج اللعبة، بينما من يدمج المهارة بالتقنية، سيبقى في الصدارة. يبقى التحدي الأكبر هو كيف نحافظ على القيم الصحفية الأصيلة في زمن السرعة والذكاء الآلي، وكيف نوازن بين التقنية والإنسانية في إنتاج الأخبار وصناعة التأثير.