الكاتبة: هنادي السهلي.
شهدت السياحة في المملكة العربية السعودية تحولًا جذريًا خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من كونها قطاعًا هامشيًا يعتمد بشكل رئيسي على السياحة الدينية إلى صناعة متكاملة تمثل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، هذا التطور لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة لخطط استراتيجية واضحة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وفق رؤية المملكة 2030 التي رسمت خارطة طريق لمستقبل مشرق للسياحة السعودية.
قبل عقد من الزمان، كان من الصعب تخيل أن المملكة ستفتح أبوابها على مصراعيها أمام السياح من مختلف أنحاء العالم، وستمنح التأشيرات الإلكترونية للزوار من أكثر من 49 دولة، وستصبح مقصدًا سياحيًا عالميًا ينافس أشهر الوجهات، لكن اليوم، نجد أنفسنا أمام مشهد مختلف تمامًا، حيث تسعى المملكة إلى استقطاب 100 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030، مما يجعلها واحدة من أكبر الوجهات السياحية عالميًا.
المشاريع الضخمة التي أطلقتها المملكة تعكس طموحها غير المحدود، فمشروع “نيوم” ليس مجرد مدينة مستقبلية، بل هو نموذج للحياة الذكية والمستدامة، ووجهة سياحية فريدة تجمع بين الطبيعة والتكنولوجيا، أما “البحر الأحمر”، فهو مشروع سياحي بيئي يهدف إلى تقديم تجربة سياحية استثنائية لمحبي الطبيعة والاستجمام، في حين أن “القدية” تسعى لتكون العاصمة الترفيهية للمملكة، بمستوى يضاهي كبرى الوجهات الترفيهية العالمية، هذه المشاريع وغيرها، مثل تطوير العلا وجدة التاريخية، تعيد رسم الخارطة السياحية للمملكة، وتضعها في مصاف الدول التي تمتلك مقومات سياحية متكاملة.
لكن التطور السياحي السعودي لا يقتصر على المشاريع العملاقة فحسب، بل يمتد ليشمل تحسين البنية التحتية وتطوير القطاع الفندقي وتعزيز التجربة السياحية من خلال الفعاليات والمهرجانات، لم تعد السعودية مجرد وجهة لزوار الحرمين الشريفين، بل أصبحت مركزًا ثقافيًا عالميًا يحتضن الفعاليات الفنية والرياضية والتراثية، مثل مهرجان “موسم الرياض” الذي جذب ملايين الزوار، وسباق “الفورمولا 1” الذي وضع جدة على الخارطة الرياضية العالمية.
بالطبع، لا يخلو هذا التحول الكبير من التحديات، فلا تزال هناك حاجة إلى تطوير منظومة الخدمات السياحية، وتأهيل الكوادر البشرية، وتعزيز الوعي الثقافي والسياحي بين المواطنين والمستثمرين، كما أن فتح البلاد أمام السياحة العالمية يتطلب تحقيق توازن دقيق بين الانفتاح والمحافظة على القيم والتقاليد التي تميز المجتمع السعودي.
أعتقد إن السياحة لم تعد خيارًا تكميليًا، بل أصبحت ضرورة اقتصادية واجتماعية وثقافية، لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة دون صناعة سياحية قوية تساهم في خلق الوظائف، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز صورة المملكة عالميًا، والأهم من ذلك، أنها تتيح للعالم فرصة لاكتشاف الوجه الحقيقي للسعودية، بعيدًا عن الصور النمطية، وتعكس إرثها الحضاري وتنوعها الجغرافي الفريد.
نحن اليوم أمام فرصة ذهبية لرسم مستقبل سياحي مشرق، وإذا استمرت الجهود الحالية بنفس الزخم، فإن المملكة ستصبح خلال سنوات قليلة واحدة من أهم الوجهات السياحية على مستوى العالم.