- شهد الحازمي
تتجلى ثراء المملكة بتنوع تراثها الحضاري من الحرف والصناعات اليدوية، ويعود هـذا التنوع إلى اتساع خريطة المملكة، كذلك إلى اختلاف الطبيعـة البيئية والجغرافية بين مدنها، وهذا ما أتاح لكل مدينة قدرًا مـن التفرد الذي يحدد هويتها المجتمعية، ويخصها ببعض الخامات والمواد والعناصر الأولية التي قد لا تتوافر لغيرها، ومن هذا المنطلق جاءت موافقة مجلس الوزراء على تسمية عام 2025 بـ«عام الحرف اليدوية»، يبرز السؤال الأهم: هل يكفي الاحتفاء بهذه الفنون للحفاظ عليها، أم أننا بحاجة إلى استراتيجيات أعمق تحميها من التحول إلى مجرد ذكرى جميلة؟
“عام الحِرف اليدوية” ليس مجرد احتفاء بالماضي، بل هو لحظة تأمل في معنى الحرفة ذاتها، في تلك الرابطة السحرية بين الإنسان وما يصنعه، فهو فرصة لنتذكر أن بعض الأشياء لا تفقد قيمتها مع الزمن، بل تزداد تألقًا كلما مضت السنوات، تمامًا كأيدي الحرفيين الذين نحتوا ذاكرتنا الجماعية، وجعلوا من التراث جسرًا نعبر عليه نحو المستقبل.
من جهة أخرى لا يمكن التعامل مع الحِرف اليدوية على أنها مجرد مهن تقليدية، بل هي لغة تنطق بتاريخ الشعوب، وتعكس ثقافتها وهويتها، فكل قطعة مشغولة يدويًا تحمل في تفاصيلها قصة صبر ودقة وإبداع، لا تستطيع المصانع الكبرى استنساخها. ومع ذلك فإن واقع هذه الحِرف في العصر الحديث يواجه تحديات كبيرة، تبدأ من ضعف الدعم المالي والتسويقي، ولا تنتهي عند صعوبة منافسة المنتجات الآلية زهيدة الثمن.
أيضًا لا يمكن إنكار أن بعض المبادرات، مثل “الشركة السعودية للحرف والصناعات اليدوية”، تحاول دمج هذه الفنون في السوق الحديثة، لكن يبقى السؤال: هل يمكن الحفاظ على جوهر الحِرفة مع تطويعها لمتطلبات العصر؟ وهل ينجح الحرفيون في تحقيق التوازن بين الأصالة والتجديد دون أن تفقد أعمالهم هويتها الفريدة؟
ختامًا.. إذا كنا نريد للحِرف اليدوية أن تزدهر، فلا بد أن نعيد النظر في طريقة التعامل معها، ليس كتراث يُحتفى به لمرة واحدة، بل كصناعة إبداعية تستحق الاستثمار طويل الأمد. وإلا فسنجد أنفسنا بعد سنوات نقرأ عنها في الكتب، بينما تملأ الأسواق منتجات مقلدة بلا روح، فقدت قيمتها حين فقدت لمسة اليد التي صنعتها.
عام الحرف اليدوية ( وزارة الثقافة السعودية )